يشهد القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية تطورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، حيث أصبح يشكل جزءًا أساسيًا من استراتيجية التنمية الوطنية. في إطار رؤية المملكة 2030، تم التركيز بشكل كبير على تحسين إدارة وتوجيه هذا القطاع، بما يتماشى مع التطلعات المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز الشفافية، المساءلة، وتطوير الأداء. ومن هنا تأتي أهمية “الحوكمة” كإطار تنظيمي يساهم في تحسين فعالية وكفاءة القطاع غير الربحي، وضمان تحقيق أهدافه الاجتماعية والتنموية.
ما هي حوكمة القطاع غير الربحي؟
حوكمة القطاع غير الربحي هي مجموعة من المبادئ والإجراءات التي تهدف إلى ضمان الشفافية، والمساءلة، والرقابة في إدارة المنظمات غير الربحية. تهدف الحوكمة الجيدة إلى تحسين الأداء، والحفاظ على ثقة المجتمع، وتعزيز دور هذه المنظمات في خدمة الأهداف الاجتماعية والإنسانية.
أهمية حوكمة القطاع غير الربحي:
- تحقيق الشفافية والمصداقية: يساهم إطار الحوكمة في ضمان أن المنظمات غير الربحية تعمل بشفافية، مما يعزز الثقة لدى المانحين، والمتطوعين، والمجتمع المحلي.
- تعزيز المساءلة: من خلال آليات الحوكمة، تصبح المنظمات غير الربحية مسؤولة عن نتائج أعمالها، سواء كان ذلك في كيفية استخدام الموارد أو تأثير برامجها.
- تحقيق الاستدامة: تسهم الحوكمة الفعالة في ضمان استدامة المنظمات من خلال تحسين إدارتها المالية، ورفع كفاءتها التشغيلية.
- تنظيم العلاقة بين الأطراف المعنية: من خلال وضع قواعد واضحة للإدارة، تساهم الحوكمة في تنظيم العلاقة بين الأعضاء المؤسسين، والموظفين، والمستفيدين، والممولين.
أطر الحوكمة في القطاع غير الربحي بالمملكة
- إطار الحوكمة الذي وضعته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية: قامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة بوضع أطر قانونية وتنظيمية للقطاع غير الربحي لتعزيز الحوكمة. هذا يشمل:
- القوانين واللوائح الخاصة بالجمعيات الخيرية: تشمل لوائح تأسيس الجمعيات الخيرية، وضوابط المراقبة والتدقيق.
- متطلبات الشفافية والتقارير المالية: يجب على المنظمات غير الربحية تقديم تقارير مالية دورية توضح كيفية استخدام الأموال والتبرعات.
- التصنيف والرقابة: تصنف الوزارة الجمعيات والهيئات وفقًا لمستوى أدائها، ويتم مراقبة التزامها بالقوانين.
- التوجيهات والإرشادات الصادرة من الجهات التنظيمية: تم وضع مجموعة من الإرشادات التي تهدف إلى تحسين الحوكمة مثل:
- إرشادات الحوكمة للجمعيات الخيرية: تساعد هذه الإرشادات على تحسين الشفافية والرقابة الداخلية.
- تدريب وتطوير الموارد البشرية: تركز هذه الإرشادات على توفير التدريب المستمر للعاملين في القطاع غير الربحي، لضمان تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة.
- دور الهيئة العامة للأوقاف: تلعب الهيئة العامة للأوقاف في المملكة دورًا محوريًا في تطوير الحوكمة للقطاع غير الربحي، خصوصًا في مجال الوقف. تشمل مهام الهيئة:
- تنظيم وتطوير الأوقاف: تطبيق الحوكمة في إدارة الأوقاف بشكل يضمن استخدامها للأغراض المحددة.
- الرقابة والإشراف على الأوقاف: التأكد من أن الأوقاف تُدار بما يتماشى مع اللوائح والنظم المعتمدة.
أفضل ممارسات الحوكمة في القطاع غير الربحي بالمملكة
- الشفافية في اتخاذ القرارات: يجب أن تتم جميع القرارات بشكل علني ووفقًا للمبادئ القانونية المعتمدة. هذا يشمل توفير معلومات دقيقة وواضحة عن الأنشطة المالية والإدارية للجمعيات.
- المراجعة والتدقيق الداخلي: من أهم المبادئ في حوكمة القطاع غير الربحي هو وجود نظام تدقيق داخلي قوي يتأكد من أن الموارد تستخدم وفقًا للأهداف المتفق عليها.
- تعزيز الاستقلالية: يفضل أن تتمتع المنظمات غير الربحية بمستوى عالٍ من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية التي قد تؤثر على نزاهتها.
- مشاركة المجتمع في اتخاذ القرارات: من المهم إشراك المستفيدين من الأنشطة الخيرية في عملية اتخاذ القرارات لضمان تلبيتها لاحتياجات المجتمع.
- التقييم المستمر: يجب أن يتم تقييم أداء المنظمات غير الربحية بشكل مستمر لضمان الالتزام بالمعايير التي تم وضعها وتحقيق النتائج المرجوة.
تحديات حوكمة القطاع غير الربحي في المملكة
على الرغم من التقدم الذي حققته المملكة في مجال حوكمة القطاع غير الربحي، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه هذه المنظمات، مثل:
- قلة الوعي بالإدارة الفعالة: لا تزال بعض المنظمات غير الربحية تفتقر إلى الوعي الكافي بأهمية الحوكمة وأدواتها.
- التحديات المالية: تواجه بعض المنظمات صعوبة في تحقيق الاستدامة المالية بسبب ضعف الموارد والتمويل.
- تعقيدات البيروقراطية: في بعض الحالات، قد تؤدي الإجراءات البيروقراطية المعقدة إلى تأخير تنفيذ المشاريع وتنظيم الأنشطة.
الخاتمة:
تعد حوكمة القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية جزءًا أساسيًا من استراتيجيات تطوير هذا القطاع وضمان استدامته. من خلال تطبيق الأطر القانونية والتنظيمية المناسبة، وتبني أفضل ممارسات الحوكمة، يمكن للمنظمات غير الربحية تحقيق أهدافها الاجتماعية والإنسانية بكفاءة وفعالية. ومع الاستمرار في مواجهة التحديات وتحسين الأداء، سيظل القطاع غير الربحي يلعب دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة في المملكة.